بقلم : تيسير الغوطي
دعت لجنة الانتخابات المركزية المواطنين الفلسطينيين للتسجيل في سجل الناخبين، مشيرة الى أن التسجيل شرط أساسي لضمان حقهم في التصويت والترشح في الانتخابات العامة (الرئاسية، والتشريعية) والمحلية, وذلك عقب استقبال الرئيس محمود عباس لرئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر، مساء 15/1/2020، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله ، ورغم أهمية الانتخابات التي تجري بشكل حر ديمقراطي ونزيه لاختيار الأفراد والأشخاص الذين سيتولون قيادة الأمور بتفويض من الشعب صاحب السلطة الحقيقية والقرار الأساسي، ورغم أن الشعب الفلسطيني في ظل الأوضاع التي يعيشها في هذه الأيام لديه الكثير الكثير مما يحتاج إلى التغيير بدءاً بمسئولين ونواب فاسدين وليس إنتهاءً بالمحسوبية والرشاوى وغياب تكافؤ الفرص في الوظائف والتعيينات، ورغم القناعة بأن أفضل السبل والطرق لإجراء مثل هذا التغيير هو أن يتم عن طريق الانتخابات التي تلقى قبولاً وتأييداً من الجميع، وفي نفس الوقت تجرى بنزاهة وشفافية كاملة, لا تلك التي تجري تحت ظل مراسيم تجعل من نتائجها وكأنها مفصلة على مقياس الفريق الذي يتحكم بزمام الأمور وإصدار تلك المراسيم, سواء تلك التي تحدد التواريخ أو التزامن أو التتابع, أو الجهات المشرفة, أو القضائية التي ستحكم في الخلافات التي قد تنشأ, فضلا عن الظروف التي تعيشها المناطق الفلسطينية تحت الحصار الصهيوني الظالم والذي حولها إلى ما يشبه السجون والمعتقلات الكبيرة ، وإضافة إلى هذا الاحتلال الظالم فإن الشعب الفلسطيني في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة يعيش في ظل وهم وجود سلطة ذات مؤسسات فاعلة لصالح المواطن الفلسطيني ، فالكل مدرك بواقع الحال والمآل أن السلطة الفلسطينية ( التي يحلو للبعض أن يسميها دولة ) تعيش على الورق وفي الإعلام الفلسطيني فقط، فلا مؤسساتها ولا وزارتها تملك من أمرها شيئاً، ويجمل ذلك قول الرئيس محمود عباس في أحد خطاباته " نحن سلطة بلا سلطة".
فأي انتخابات حرة ونزيهة يمكن أن تجري في ظل المراسيم الفردية التي تغير شكل القوائم والمرشحين من فردية في انتخابات 1996 إلى مناصفة بين فردية وقوائم في انتخابات 2006, إلى قوائم فقط في انتخابات2021, أو تلك المراسيم الخاصة بتشكيل المحكمة الدستورية ومحكمة الانتخابات, دون مراعاة لجهة الاختصاص والمتمثلة بالمجلس النيابي بخصوص قوائم المرشحين, والجهاز القضائي بخصوص المحكمة الدستورية ومحكمة الانتخابات, أو التوافق بين القوى الفاعلة في حال عدم تمكن جهات الاختصاص من القيام بدورها.
إن إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية في ظل الاحتلال والحصار الظالم للمناطق الفلسطينية، والوهم بوجود سلطة مركزية قادرة على الفعل والتغيير والتأثير, ومراسيم تفصيل القوانين, هو ضرب من الخيال لا يعني ولا يهدف إلا مزيداً من الإلهاء للناس والجماهير عن ظلم وجرائم ومجازر الاحتلال، وعن الفساد المنبعث من الأجهزة والمؤسسات السلطوية، وضمن سياق هذا الإلهاء تأتي بدعة التسجيل من أجل امتلاك الحق الانتخابي ، والتي أتت بها السلطة ولم يسبقها إلى ذلك أحد، فحتى اللحظة لم يسجل التاريخ إقدام أي دولة مهما كانت صفتها ونعتها على القيام بتسجيل كشوفات يمنح أصحابها فقط حق الانتخاب، فكما هو معلوم ومعمول به في كل دول العالم حسب الشرائع والقوانين الدولية أن حق الانتخاب هو حق مكفول لكل المواطنين الذين يحملون جنسية البلد الذي ستجري فيه الانتخابات، وأن القوائم الانتخابية لا يتم تسجيلها ورسمها قبل الانتخابات بشهر أو أشهر، وإنما تصدرها وزارة الداخلية التي تحتفظ وتملك سجلات إحصائية لكل السكان ولا تحتاج إلا إلى معرفة الحدود العمرية التي يشترطها القانون السياسي للبلد حتى تصدر القوائم الانتخابية.
إن اشتراط التسجيل للانتخابات لامتلاك الحق الانتخابي أمرٌ في غاية الخطورة، يدفع إلى الأذهان عدة تساؤلات عن الأهداف والمقاصد الحقيقية من وراء هذه الخطوة الغريبة والمفاجئة والتي لم يُقدم عليها أحد من الدول والبلدان التي تمارس الانتخابات، ذلك أن هذا الشكل من التسجيل لأصحاب حق الانتخاب يعني حرمان كل أولئك الذين يملكون حق الإقامة في المناطق الفلسطينية واضطرتهم ظروفهم الشخصية والخاصة ( العمل – التعليم – العلاج – الزيارة 000إلخ ) للتواجد خارج فلسطين خلال زمن التسجيل، وهذا ما لا يمكن لعاقل أن يقبله، كما لا يوجد له مثيل في أيٍ من دول العالم، بل إن هذا الشكل من التسجيل يعني حرمان الآلاف وربما عشرات الآلاف من المقيمين في الأراضي الفلسطينية ويتكاسلون عن التسجيل لسبب أو لآخر ( تكاسل – لا مبالاة – نقمة على السلطة – ضجراً من الوضع الاقتصادي وخلافه .. إلخ ) من حقهم الانتخابي بسبب تكاسلهم في فترة زمنية ما تسبق إجراء الانتخابات بمسافة طويلة، فهل يُعقل أن يُحرم مواطن فلسطيني من حق الانتخاب لأنه تكاسل عن التسجيل قبل أشهر ؟؟!، في أكثر الدول ديمقراطية يلعب المترددون دوراً حاسماً في نتائج الانتخابات، فمثلاً في الانتخابات الأخيرة التي جرت بتاريخ 3/11/2020 في الولايات المتحدة الأمريكية, والتي وصل عدد المقترعين فيها إلى ما يزيد عن مائة وخمسين مليون ناخب, فإن أقل من نصف مليون ناخب في الولايات المترددة هم الذين حسموا السباق الانتخابي لصالح بايدن ضد ترامب, حيث أن الملايين المائة والخمسين كانت قد حسمت أمرها مسبقا، فلماذا تصر السلطة الفلسطينية على هذه الخطوة الغريبة والشاذة عما هو متعارف عليه عبر العالم في الانتخابات وسجلات الناخبين ؟! .
فهل ذلك من أجل إلهاء الناس عن الفساد المستشري في أجهزتها ومؤسساتها، وذلك بالانغماس في النقاش حول الجزئيات والتفاصيل الكثيرة والمملة لعملية الانتخابات, وهذا يجوز وذلك لا يجوز وهذا خطأ وذاك صواب، ومما يدعم وجهة النظر هذه التفريعات والتفصيلات الكثيرة للعملية الانتخابية وبفوارق زمنية طويلة، فتسجيل الناخبين سيستمر زمنا، وإعداد القوائم وما يتبع ذلك من أمور فنية يحتاج أشهرا أخرى، والانتخابات ستتم على ثلاث مراحل منفصلة بفارق أشهر, مع ملاحظة أن مجموع سكان المناطق الفلسطينية لا يتجاوز 5.5 مليون نسمة ( وليس أصحاب حق الانتخاب ) وهو عدد لا يشكل إلا ضاحية في المدن الكبرى عبر العالم والتي تجري فيها الانتخابات في يوم واحد !!، وهكذا يبقى الشعب والجماهير مشغولة بالانتخابات ونتائجها الجزئية ومشاكلها من تزوير وسجلات وقوائم بما يختفي بين ثناياه الحديث عن الفساد بانتظار وهم نتائج الانتخابات.
أم هل إصرار السلطة على تسجيل الناخبين لتسهيل عمليات التزوير المتوقعة ؟ كما هو الحال في الانتخابات التي تجري في النظام العربي الرسمي، بحيث تتحكم السلطة في سجلات الناخبين وإعداد قوائمهم من المقربين إليها والدائرين في فلكها فضلاً عن تسجيل الأسماء الوهمية كما هو الحال بسجلات الموظفين في الوزارات والدوائر الحكومية، وكلنا يتذكر حين اكتشف وزير المالية د/ سلام فياض مئات الأسماء الوهمية في سجلات الموظفين (خاصة البطالة) الذين يتقاضون رواتب من الحكومة ولا وجود لهم في مكان عمل, بل لا وجود لهم على أرض فلسطين .
أم هل إصرار السلطة على تسجيل الناخبين وإعداد سجلات خاصة بهم لرغبتها في الإيهام برفع نسبة المشاركين في الانتخابات عند إعلان النتائج وذلك من خلال نسبتهم إلى المسجلين وليس إلى أصحاب حق الانتخاب ؟ ولبيان ذلك بحساب عددي بسيط نفترض أن الذين سجلوا أسماءهم بلغ عددهم مليون شخص وأن الذين قاموا بالانتخاب فعلاً بلغ عددهم 500ألف شخص فتكون نسبة المشاركة التي ستعلنها السلطة هي 50% في حين أن 500 ألف شخص لا يمثلون في الحقيقة سوى أقل من 15% إذا ما افترضنا أن عدد الذين يحق لهم الانتخاب حسب فئتهم العمرية كما هو معمول به في كل دول العالم 3 مليون شخص حيث المجتمع الفلسطيني مجتمع شاب, وليس الذين سجلوا أسماءهم حسب ما تريد السلطة العمل به، وبالتالي تستطيع السلطة الإيهام بارتفاع نسبة المشاركين في الانتخابات وعدالة النتائج تبعاً لذلك, وتتخطــى ( وهو الأهم ) اللا مبالاة المتوقعة من الشارع الفلسطيني تجاه الانتخابات تحت سقف أوسلو وقيادات السلطة التي لم ير منها طوال سنواتها في الحكم أي اهتمام بقضاياه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ناهيك عن تقديم أي نوع من الحماية سواء كانت الأمنية أو السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية في وجه آلة الدمار الصهيونية التي تستبيح المناطق الفلسطينية صباح مساء وتمعن فيها قتلاً وتدميراً .
في ظل هذه المعطيات وتلك المفاهيم تُرى أي جريمة سترتكب بحق التاريخ والجغرافيا والشعب الفلسطيني وتضحياته ومبادئه وقيمه, إذا جرت مثل هذه الانتخابات البعيدة كل البعد عن النزاهة والشفافية, والمحكومة بمراسيم فردية لتوجيه نتائجها جهة أهداف اتفاق أوسلو المشؤوم واللعين الذي يتنازل طواعية عن ما يقرب من 80% من أرض فلسطين المباركة ، وجهة تجديد الشرعية للقيادة لاستمرار السير على الطريق التي عبدها اتفاق أوسلو .